صرخة من القيد

في أقصى الغرب ، حيث تمتزج رياح البحر الأبيض المتوسط برائحة الأرض المرهقة، عشتُ في مدينة “…”، المعروفة بين سكانها الصيادين والغرباء بأنها ملاذٌ مؤقت للمهاجرين. كنتُ واحدًا من هؤلاء #المهاجرين، أبحث عن فرصةٍ للنجاة أو حياةٍ جديدة في ظلّ ظروفٍ قاسية. كنتُ أعيش في منزل صغير مزدحم مع مجموعة من الرجال الذين جمعتنا ظروفنا المتشابهة. كلّ واحد منا كان يحمل في قلبه حلمًا وألمًا: البعض هرب من الحروب، والبعض الآخر هرب من الفقر المدقع، بينما كنتُ أهرب من كليهما معًا.

ليلة الاقتحام البداية الموجعة

في تلك الليلة، كنتُ مستلقيًا على فراشٍ بسيط بجانب نافذة صغيرة تُطل على زقاق ضيق. الهواء كان ساكنًا، وكانت الأصوات الوحيدة التي تُسمع هي همسات البحر البعيدة. الجميع كانوا نيامًا بعد يومٍ طويل من العمل الشاق. كنتُ أفكر في أحلامي الضائعة، عندما حدث ما لم أتوقعه أبدًا. سمعنا فجأة صوت طرقٍ عنيف على الباب، تبعه صراخٌ غاضب ولغة لا تحمل سوى القسوة. استيقظنا مرعوبين، وبالكاد أدركنا ما يحدث عندما انكسر الباب ودخلت مجموعة من الرجال المسلحين. كانوا يرتدون زيًا عسكريًا، وأقنعة سوداء تخفي وجوههم.

صرخ أحدهم على الحائط! بسرعة!

لم يكن هناك مجال للجدال أو المقاومة. وقفنا جميعًا بظهورنا إلى الحائط، أيدينا مرفوعة، وعيوننا تبحث عن إجاباتٍ في وجوهٍ خالية من الرحمة. كنتُ أحمل بطاقة طلب اللجوء التي حصلتُ عليها بشق الأنفس من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. رفعتها إليهم كأنها تذكرة للخلاص، معتقدًا أن القانون سيحميني. لكن نظرة القائد إلى البطاقة كانت كافية لتحطيم هذا الأمل. أمسكها، قرأها باستخفاف، ثم مزقها ورماها على الأرض.

النقل مركز الاحتجاز

بعد تفتيش المنزل بالكامل وأخذ كل ما نملك من أموال وهواتف، أُمرنا بالصعود إلى شاحنة عسكرية كانت تنتظر في الخارج. كان الظلام كثيفًا، والطريق موحشًا، لكنّ الخوف كان أشدّ ظلمة من كل ما حولنا. وصلنا إلى مركز الاحتجاز . كان المكان مزدحمًا ومكتظًا بأشخاصٍ من جنسيات مختلفة، رجال ونساء وحتى أطفال. لم يكن هناك أي شكل من أشكال الإنسانية. أُمرنا بالجلوس على الأرض، بلا طعام أو ماء. قضينا الليل بأكمله في انتظار مصيرٍ مجهول.

الرحلة التالية العذاب داخل الصندوق الحديدي

في صباح اليوم التالي، بدأ الحراس في نقلنا إلى مركز احتجاز جديد . كانت عملية النقل في شاحنة مغلقة، حيث وضعونا في صندوق حديدي ضيق أشبه بالقبر. كان الصندوق مظلمًا تمامًا، والهواء فيه يكاد يكون معدومًا. الحرارة داخل الصندوق كانت شديدة، وكأننا في فرنٍ معدني. مع مرور الوقت، بدأت أصوات الأنفاس الثقيلة والآهات تملأ المكان. البعض فقد وعيه، والبعض الآخر كان يطرق بشدة على الجدران الحديدية، لكن لم يكن هناك أي استجابة. عندما فتحوا الباب أخيرًا، كان معظمنا على وشك الهلاك. خرجنا منهكين، بالكاد نستطيع الوقوف، وتم دفعنا بقسوة إلى داخل مركز الاحتجاز الجديد.

المركز المؤقت ليلة واحدة كافية لتغيير الحياة

قضينا ليلة واحدة في هذا المركز، لكنها كانت واحدة من أطول الليالي في حياتي. المكان كان صغيرًا ومزدحمًا للغاية. لم يكن هناك ما يكفي من الطعام أو الماء، ولا حتى مكان للنوم. كنا نُعامل كالحيوانات، أو ربما أسوأ. في صباح اليوم التالي، تم نقلنا مجددًا إلى مركز أخر و في مدينة أخري، حيث بدأ الجحيم الحقيقي.

الجحيم الذي لا يرحم

عندما وصلنا إلى المركز الأخير، كان المشهد مرعبًا. المبنى كان عبارة عن مستودع ضخم، مليء بالمئات من الأشخاص. التكدس كان لا يُحتمل، والجميع كانوا يعانون من الجوع والعطش.

الظروف مركز الاحتجاز

الحمامات لم تكن حمامات بالمعنى المعروف. كانت مجرد زوايا مكشوفة بلا أبواب، تُستخدم أمام الجميع. الرائحة الكريهة كانت تملأ المكان، والذباب كان يهاجمنا بلا توقف. وجبة واحدة فقط تُقدم يوميًا. كانت عبارة عن أرز بالماء والملح، أو مكرونة بالماء والملح، أو عدس بالماء والملح. الطعام لم يكن يكفي لإبقاء شخص واحد على قيد الحياة، لكنه كان الطريقة الوحيدة للبقاء. كان الحراس يتعاملون معنا وكأننا مجرمون. أي حركة بسيطة قد تؤدي إلى عقابٍ قاسٍ.

العمل القسري والأمل الوحيد

بعد أسابيع من الاحتجاز، بدأ الحراس في إجبارنا على العمل داخل المركز. كنا نُستخدم في أعمال البناء أو التنظيف، دون أجرٍ أو حتى كلمات تقدير. لكنني سمعتُ عن فرصةٍ واحدة للهروب: أن يتم اختياري للعمل خارج المركز. كنتُ أدعو الله كل ليلة أن يتم اختياري. وذات يوم، تحقق ذلك.

الهروب

تم اصطحابي مع مجموعة صغيرة من المحتجزين للعمل في موقع بناء حكومي خارج المركز. كنا نعمل تحت رقابة مشددة، لكنني كنتُ أراقب كل حركة للحراس، أبحث عن لحظة مناسبة. وفي منتصف اليوم، عندما كان الحراس منشغلين، قررت مع مجموعة صغيرة أن نخاطر. بدأنا الركض بكل قوتنا، في اتجاهات مختلفة.

الحرية المؤقتة البداية من الصفر

عندما توقفت أخيرًا، كنتُ وحيدًا. لا مال، لا وثائق، ولا هاتف. كنتُ مجرد إنسانٍ بلا هوية، في مدينة غريبة. تلك اللحظة كانت مزيجًا من الخوف والفرح. كنتُ حرًا، لكنني كنتُ تائهًا في عالمٍ لا يعرف الرحمة.

رسالتي الي العالم

قصتي ليست استثناءً، بل هي واحدة من آلاف #القصص التي تحدث يوميًا في مراكز الاحتجاز أصبحت رموزًا للمعاناة الإنسانية. لكن وسط كل هذا الظلام، يبقى هناك بصيص أمل. هذا الأمل هو ما يجعلنا نستمر، حتى عندما تبدو الحياة مستحيلة.